خواطر خطرة(13) في
المائة العجاف الأخيرة لهلال يعرب، فاروق عيتاني
خواطر خطرة(13) في المائة العجاف الأخيرة لهلال يعرب، فاروق عيتاني
ظهر هلال يعرب إلى
الوجود إثر معركتي اليرموك و القادسية. في الواقع لم يظهر بمفرده، بل ظهرت معه كل
يعرب الناطقة بالضاد من المحيط الأطلسي إلى الخليج العربي. يمكنني اعتبار هلال
يعرب بمثابة يعرب الثانية على اعتبار ان الجزيرة العربية شكلت يعرب الأولى. يشير
مفهوم هلال يعرب إلى ما كان يعرف باسم " الشرق الأدنى" استنادا إلى نظرة
غربية كانت مستخدمة في حينها. كما يشمل كل من بلاد الشام والعراق التي عرفت في
الأدبيات العربية والإسلامية.
يحد هذا الهلال غربا الشاطئ
الشرقي للمتوسط، وهو مفتوح في جنوبه على صحراء سيناء، كما يحده شمالا سلسلة الجبال
التركية الممتدة على طول حدود الطبيعية الشمالية. وتحده شرقا المرتفعات الإيرانية
المفتوحة في جنوبها على منطقة عربستان و تعني بالفارسية " أرض العرب"
كما يلتقي في طرفه الجنوبي مع الطرف الشمالي الشرقي للجزيرة العربية عند دولة
الكويت اليوم ليتصل معها بمنفذ بحري على الخيلج. أما في قسمه الجنوبي والجنوبي
الغربي فهو مفتوح على الجزيرة العربية بشطريها الحجاز و نجد و يلتقي بالبحر الأحمر
عند خليج العقبة.
لم يعرف هذا الهلال
وحدة سياسية في تاريخه ولطالما كان فضفاضا إلى ما يعرف بحدود الدولتين الأموية و
العباسية و اللتين شكلت دمشق ( الشام) و بغداد عاصمة لهما. لكنه عرف تجمعا لوحدات أدارية تبعت الدولة العثمانية مذ دخول
نابليون مصر و بعد فشل محاولته عند مدينة عكا بفضل إرادة الصمود و التصدي التي قادها
أهلها تحت قيادة ( محافظ) الباني معين من قبل الدولة العثمانية هو أحمد باشا. ورغم
حملة إبراهيم باشا التي أنتهت سنة1840.
يمسك هذا الهلال برأس
خط الديانات الإبراهيمية الثلاث وهو خط القدس – مكة. وقد استهدفت حملات الفرنج كل
الخط الساحلي لهذا الهلال وصولا الى مدينة القدس التي سقطتت بأيد الفرنجة في نهاية
القرن الخامس الهجري ألى ان استردها صلاح الدين الأيوبي. على ان الوجود الفرنجي
بقي فيه إلى انهائه تذويبا و ترحيلا زمن المماليك.
كما أستهدف هذا
الهلال بحملات مغولية مسلمة سقطت في أولها بغداد على يد هولاكو الذي شارك معه قوات
من منطقة الموصل ، كما شاركت معه قوات أرمنية . كان المغول في الواقع يقود تحالفا
دوليا وقد أتخذ هولاكو نصير الدين الطوسي مستشارا له. كما توغل المغول فوصلوا دمشق
في عام 703 حيث ارتدوا عنها إثر معركة شقجب التي ولأسباب مفهومة يجري تهميشها من
الذاكرة. على ان هزيمة المغول النهائية تمت في معركة عين جالاوت على يد قوات
الظاهر بيبرس.
في الواقع فإن الدولة العباسية كانت قد انتهت
عمليا زمن خلافة المتوكل وتحولت بعدها إلى دولة " توافقية " تحت حماية
بني بوية المنافسين للفاطميين. كان الفضل للأتراك السلاجقة في كف خطر الدولتين.
كما بقي الروم قريبين من حلب إلى ان تمكن الاتراك العثمانيون من التغلب عليهم اثر
معركة ملاذ كرد و من ثم التقدم و الوقوف على ابواب القسطنطينة ( روما الأولى ) الى
ان حققوا الحلم العربي – الإسلامي القديم لفتححها، فتم هذا سنة 1450 على يد
السلطان محمد الفاتح.
ومن المفارقات انه مع
هذا الانتصار الكبير فثمة حدثان ملفتان
تلياه 1- الخروج النهائي من الاندلس 1492 و الحدث الأهم الثاني ، كان جهر الشاه
الشاب إسماعيل الصفوي (15) سنة ،المتصوف السني و المعروف ببطشه الشديد وهو محاطا
بأخوان صوفيين، جهره من مسجد تبريز الكبير التي دخلها منتصرأ 1500 م بإقامة الصلاة
باسم الأئمة الآطهار.
يذكر هنري كوربان في
كتابه المترجم للعربية تحت أسم " عن الاسلام في ايران" للسيد نواف
الموسوي ( أصل أسم الكتاب "الإسلام الإيراني")، يذكر نظرة الغرب إلى
الشاه إسماعيل وعهده " كما لو أنها بداية عهد نبي جديد، الصوفي الجديد الذي
ينبغي أن يؤدي إلى نهاية الإسلام و القوة التركية".
وأمام هذا التطور في
الساحة الخلفية للدولة العثمانية و مع توجه العديد من علماء عاملة إلى ايران لنشر
الفقه الجعفري وامام مراسلات تفاهمات بين المماليك و الشاه إسماعيل ، استدار بني
عثمان صوب المنطقة العربية ، فدخلوها مزيلين دولة المماليك و معاقبين عاملة التي
تعاملت مع الشاه إسماعيل.
في الواقع لقد سبق ان عوقبت عاملة على يد
المماليك إثر انحيازها للمغول، كما سبق للنصيريين ان عوقبوا عندما شاركوا حملة
شقجب اعمال القتل و السبي و النهب وفتحوا سوق
العبيد في قبرص وهو أشبه ما يعرف اليوم "
بسوق السنّة".
إن المفارقة التي يشير
اليها كوربان هي مفارقة لافتة. انه في لحظة انتصار التشيع و تحوله الى دولة ، هي نفس
لحظة هدم المعتقد الأثنا عشري فرفع المحرومية و العدل و الثأر للأطهار و معاقبة
نواصبهم في عالم الرجعة ، كلها أعمال منوطة بظهور الامام محمد القائم المهدي الحجة
صاحب الزمان .و الذي إليه يزف اليوم
" شهداء" حزب الله ليكونوا عسكرا في جنوده. وبه أيضا قفل الدائرة
الثانية ، دائرة الولاية.
إنها عمق أزمة
المعتقد الإثنا عشري، وإزداد عمق الإزمة بمشروع ولي الفقيه. الحكومة الإسلامية. مشروع
الحروب المفتوحة وبلا انتصارات ، فلو تنتصر بدون المهدي، فستسقط كل المنظومة.
على انّ أزمة هذا
الفكر، أنك لو هزمته ، ففي لحظة هزيمته ، سيجدد أصالته بثبوت مقولاته و سينغلق على
نفسه ثانية ملتزما بموازاة الشريعة و الحقيقة إلى أن تتقدم " الحقيقة لاغية
الشريعة ، فيتحول بابا ينتهي مركزا في شيكاغو و مركزا في عكا مرتميا استسلاما
للعهد القديم.
إن التطور الهام في
الفكر نفسه ، قد عبر عن نفسه في انتقاله إلى مفهوم ولاية الامة عن نفسها. هو صوت
الامام النائيني الذي أندثر و هو أيضا صوت الامام محمد مهدي شمس الدين و الذي يجد
نفسه محاصرا و معزولا ضمن بيئته نفسها.
لا يقوم هذا المدخل
الطويل على اعتماد التأريخ بالحروب و الأشخاص ، فهذا يؤدي إلى شخصنة الفهم
التاريخي. ان الانتصارات أو التغيرات التي تصمد قرونا من الزمان هي وليدة أفكار
تمشي بين العقل و الهوى قدسها بشر. وهي انتصارات محكومة بالجغرافيا و أوضاع
الأشياء و الظروف العالمية.
واضح انه إذ يعي كاتب هذه الخواطر، يعي
الجغرافيا و الناس فيها و خلفياتهم ، فهو ينتمي إلى لغة مقدسة هي اللغة العربية
وهي مقدسة لأنها الوسيلة الوحيدة التي أختارها الله لختم رسالته فصارت العربية
وعاء فكر و هوية . و واضح ان كاتب هذه الخواطر، يرى في الإسلام ( قال الله وقال
الرسول) عقلنة لا يراها في غيره.
مناسبة هذا الكلام
ليس تعثر الرجة العربية الكبرى في اقاليمها الأربعة، او داخل هلال يعرب في العراق
و سوريا، بل محاولة تلمس حلولا لدفع كل هذه المنطقة نحو تطور و استقرار وأمن لجميع
سكانها. و بصرف النظر عن شبه استحالة تحقيق هلال يعرب في المستقبل المنظور، أو
استعادة كامل فلسطين أو تأمين سلامة لبنان المهددة انيا بوصول ايران الى شواطئه
الجنوبية و بمصير طوائف اللبنانيين ‘العزيزة " كلهاعلينا .
إن ما تطرح اليوم من أفكار
نهضوية تعتمد نفس الأفكار التي سببت الكارثة هنا خصوصا لجهة تقديم عروبة كقومية ؤ
بلا شريعة إسلامية أو تحمل في طياتها شخصنات طهورية كحركة الشريف حسين أو تقديم
مفاهيم غربية حداثوية بطل مفعولها عند أصحابها أو بعد حداثوية هي وليدة ضرتها
وحاملة كل قصورها، هي المعنية بالخواطر.
هذه المنطقة فيها
اثنيات و ملل و نحل وفيها أقليات سلطوية مستبدة و مجرمة. فيها جمهورية بمفاهيم
ملكية وراثية و فيها طوائف شغلها الانقضاض على بعضها و تبادل فيتوات بين قياداتها.
وقياداتها تمارس مصالح خاصة تنعكس سلبا على غالبية كل الطوائف. في هذه المنطقة
تجمع وطني منتهك اسمه لبنان. وفيها ما هو معروف في سوريا و العراق والأردن و فيها
ماهو ب~ن في مناطق الأغلبية الكردية بشمالي العراق و الشمال الشرقي لسوريا و فيها
" الهم الأكبر" وهو إحتلال استيطاني يهودي لفلسطين.
إن تعثر الوضع ليس منوطا بالتركيبة الداخلية
لأقلياتها و تحالفاتها، بل مربوط بعدم قدرة الأكثرية العربية – الإسلامية على رسم أفكار
واضحة مؤسسة على فهم عميق للعروبة والإسلام وفهم عميق لتوزيعة الأعداء و الأصحاب.
وتقديم حلول دون المس بالخطوط العميقة لهوية أكثريتها في بعدها العروبي – الإسلامي.
واضح ان المستهدف في
كل هذه الرجة العربية هو " الشريعة" فالمعركة ضد الشريعة بوصفها التحقيق
العملاني الأرضي لمفهوم حقوق الناس و حقوق رب الناس. و المعركة ضد أفكار وثنية و
افلوطينة و عرفان لما تفتقده هذه الأفكار من عقلانية. و المعركة ضد مفهوم التبعية
القاصر على الفهم المادي دون ربطه بالبعد الهوياتي ، و المعركة ضد الاجرام و
التسلط و الفساد و الظلم و الجهل.
إنّ السؤال عندي: هل
عقلانية المسلمون افضل من غيرهم ؟ الجواب لا ، ولكن في الأسلام المنزل نفسه
عقلانية فتياره الروحي لا يتعدى الزهد. عقلانيته انه لا يتطلع الى " الانسان
الكامل" ولا الانسان نصف الها ولا يجسد الله جمادا او طبيعة او انسانا مثله
.( ليس كمثله شيء وهو السميع البصير) لا اتحاد ولا حلول لا تعطيل ولا تشبيه . ولا
تكفير اعيان الناس. عقلانية تجمي نفسها بضبط التأويل و بالارتكاز على الحديث .
أسئلة كثيرة تفرض
نفسها و مرارات وجودية تعصف عصفا بمن يتحسس كل هذه المشاكل ولا يستطيع ان يتناساها
او يتلوث بها او يبتعد عنها. والأهم انه لا يدعي يقينية في اليات الحل. كما بعترف
انه تنقصه الاف من المعلومات لتثبيت نظرته عقليا. ورغم كل هذا، فهو يعرف انه أثّر
و يؤثر بناس كثر تعرف شخصيا على بعضهم . وهم حيث هم على وجه هذه الأرض يخوضون نفس
المعركة و من ملامح منظور كاتب هذه السطور. ومن بعضهم يتعلم كاتب هذه الخواطر ان
لا يكون " فجا" في كلامه. والحمد الله رب العالمين.
فاروق عيتاني
لبنان أولا و هويتي دوما
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق