الأحد، 1 يونيو 2014

حسام عيتاني Print A+a-«مثقف» من هذا الزمان، الحياة


النسخة: الورقية - دوليالجمعة، ٣٠ مايو/ أيار ٢٠١٤ (٠١:٠ - بتوقيت غرينتش)
تنحو الديكتاتوريات دائماً إلى تغطية صلبها الرعاعي بغطاء ثقافي تحاول به التبرؤ من ممارساتها الوضيعة وانعدام شرعيتها. وليس نادراً أن يعتلي ممثلو أجهزة القمع المنابر مقدمين أنفسهم رسل الثقافة والعلم.
علاقة الديكتاتوريات بالثقافة علاقة أداتية في غالب الأحيان. فتستخدم الأولى الثانية في إضفاء وجه إنساني على بشاعاتها ومنظومة قيمها المنحطة القائمة على العنف والإرهاب. وتدفع إلى الواجهة الإعلامية عدداً من الأسماء المرتبطة عضوياً بأجهزة السلطة وبنيتها والذين لا مكان حقيقياً لهم في عالم الثقافة من دون الارتباط هذا.
وعلى رغم الادعاءات الثقافية، تكمن السلطة الحقيقية بين أيدي قتلة دمويين أقرب ما يكونون إلى المرضى النفسيين الذين لا يقيمون وزناً للحياة البشرية. مثال على ذلك، جوزف غوبلز وزير الدعاية النازي والمتخصص – للمفارقة - في الأدب الرومانسي، وكان يؤدي دور المبرر ومخترع الذرائع لسياسة كان منفذها الحقيقي هنريش هيملر، قائد قوات الدفاع «أس أس» والمشرف على الهولوكوست. أما أندريه جدانوف صاحب نظرية «الواقعية الاشتراكية» في الفن والذي مارس سطوته على المثقفين في الاتحاد السوفياتي أثناء الحقبة الستالينية، فلم يكن غير الذراع العلني لأشخاص جاؤوا حرفياً من قيعان المجتمع ومن حقول القتل مثل غنريخ ياغودا ونيقولاي يجوف ولافرنتي بيريا. قد لا يكون الأصل الاجتماعي ودرجة التحصيل العلمي مهمة في هذا المجال (هيملر من أصول أرستقراطية بافارية، مثلاً). الأهم هو الانصياع لإملاءات آلة النظام وضروراته والتخلي عن كل فردية أو تفكير مستقل والتسليم بالصواب الكلي لآلة حكم هي في الغالب آلة موت.
وعلى رغم الاحتضان الشكلي للمثقفين في الأنظمة الشمولية، تعاني الثقافة عموماً من التصحر والموت البطيء. وتملأ بطون الكتب قصص اضطهاد كتّاب وروائيين وسينمائيين ورسامين واضطرار هؤلاء إلى الفرار خارج أوطانهم بحثاً عن واحات يستطيعون العمل فيها بحد أدنى من الحرية اللازمة للإبداع. هكذا دمرت السلطة السوفياتية المدرسة «الطليعية» في الرسم وأسكتت الروائي بولغاكوف ثم باسترناك، وضيقت على الموسيقي شوستاكوفيتش فيما فضل مؤلف البيانو اللامع رخمانينوف البقاء في منفى اختياري. وهكذا دفعت النازية مفكري «مدرسة فرانكفورت» إلى الفرار بحياتهم إلى الولايات المتحدة، واضطر واحد من أكثرهم رهافة، والتر بنيامين، إلى الانتحار عند الحدود الفرنسية – الإسبانية بعد فشله في العبور.
في عالمنا العربي، نشهد أوضاعاً مشابهة. «مثقفو» السلطة والأنظمة يحتلون الشاشات ويؤدون الأدوار المطلوبة منهم في نشر «وعي» الحكام وقيمهم، فيما يلوذ مثقفون كثر إما بالصمت طلباً للسلامة أو يُقذفون إلى الهامش الاجتماعي والإعلامي.
لكن بعض الممسكين بسوط السلطة عندنا، يرى في نفسه أهلية الإدلاء بدلوه في عالم الثقافة والفكر. فنقل عمله من المؤسسة الأمنية التي كان يقودها ويشرف على أقبية التعذيب والقتل فيها ويدير عبرها أدوات إذلال وإخضاع مجتمع بلاده، إلى تدبيج المقالات الفلسفية والجيو-سياسية والتراثية. «خواطر» وتأملات وجدانية وحكم مستوحاة من بلاغة الإمام علي بن طالب. تخرقها بين الحين والآخر شتائم وتهديدات للمعارضين، لزوم الوفاء للقائد الرمز ابن القائد الخالد.
هكذا عاد الدكتور اللواء بهجت سليمان من عمّان التي كان فيها علماً ثقافياً بارزاً بين نظراء له في معسكر الممانعة والمقاومة إلى سورية بعدما طردته السلطات الأردنية. المثقف «الكربلائي» (كما يحب أن يصف نفسه) صاحب المقالات العديدة في التحريض والاستعلاء الطائفيين، يقدم لنا النموذج الحي لمنتحل الصفة والآتي إلى الثقافة ويديه ترشحان بدماء ضحاياه. مثقف من هذا الزمان العربي الرديء.
للكاتبTags not available

  1. Alternate textHazem Thawra

    لو عرفت يا صديقي ابنه ***، لاكتملت الصورة لديك، بين ’مثقف‘ جلاد، وإنتاجاته من الأولاد. شكل وجه الأب يشابه إلى حد بعيد شكل وجه آخر أليف علينا، غريب لدينا، هو وجه **** ***** الذي لم ير في حياته حماة، بالرغم من أنه هدمها. هؤلاء الناس، من شدة عقابهم في الدنيا يواجههم الله بأولادهم، فكثيرا ما ذهبوا ضحايا قيادة رعناء، أو سكر مفرط. ابن الكربلائي ***، كثيرا ما شوهد في شوارع دمشق تسنده زوجته الدمشقية لتوصله إلى السيارة، وهو خارج من أحد النوادي الليلية، إضافة إلى كونه صاحب صفقات ويمتهن ********، حين يعرف ما يقول. أبوه فرض كتابا للبيع على جميع مؤسسات الدولة والعاملين فيها ووزاراتها عنوانه’ علي بن أبي طالب ‘ ،رضي الله عنه، يوم كان مسؤولا عن الأمن، بقصد الكسب الحلال.
    الخميس 29 أيار 2014 9:08 م
  2. Alternate textامير الشامي

    هذه شخصية لا قيمة لها وكنت انتظر من الاستاذ حسام وأنا متابع لمقالاته انتظر منه تفكيك الحالة الادونيسية ، نحن بحاجة لفهم هذه الظاهرة المعقدة والمركبة هيملر من اصول بافارية ارستقراطية ومثقفي السلطة من أصول ريفية وديانات سرية باطنية كانت تعيش في عالم غرائبي يختلط فيه الاله بالانسان بالجماد بالحيوان ، كتب فيبر عن الاصول البروتستنتية للرأسمالية فهل نملك الجرأة والشجاعة على كتابة تحليل ثقافي يتكلم عن الأصول النصيرية العلوية للمواقف الادونيسية وما شابهها لماذا نتهم بالطائفية حينها ؟ متى نمتلك الجرأة لنطالب الطوائف السورية باظهار كتبها السرية كما فعلت الطائفة الاسماعيلة وقام عارف تامر وغيره بتحقيق ونشر الكثير من كتب الاسماعيلية نريد أن نفهم شركائنا في الوطن ونريد أن ندرس الظاهرة كما هي والتي يشكل البعد الديني طرفا هاما في تفسيرها بالاضافة للعامل الاقتصادي والاجتماعي ...البحث في كتب الديانة العلوية النصيرية يفسر الكثير من هذه المواقف ولا أقول يفسر الموقف كاملا او يحلل الظاهرة بالمجمل ومن حقنا كسوريين معرفة عقائد شركاءنا في الوطن ، البروتستنتنية وروح الرأسمالية =النصيرية والظاهرة الادونيسية .
    الجمعة 30 أيار 2014 8:04 ص
  3. Alternate textaymen dalati

    عنوان المقال يشير لمثقف هذا الزمان, بينما نص المقال يتحدث عمن ينتحل صفة المثقف, فوقع الكاتب في تناقض بينما سلم القراء في التعليق.
    الجمعة 30 أيار 2014 8:34 ص
  4. Alternate textHazem Thawra

    السيد الشامي، أين فيبر وما كتب، والنصيرية حين تجيبك بلا ونعم. هذا الجهل هو ناتج العزلة. يقول الجاحظ: العزلة جبل عال تريك قمته الناس صغارا. وعزلة الجهل أمرّ وأدهى، هي مانراه أمامنا الآن. لقد سعى النظام المتآمر على إبقاء الجهل بين صفوفهم فركعوا له وألـّـهوه. وهكذا فعل محمد بن نصير النميري في القرن الثالث الهجري مدفوعا بإنشاء دين جديد بعد أن طرده **** الشيعة من العراق. الابن الأكبر التف بمنعطف حاد وبسرعة تفوق الـ 250 كم/سا، وهو مهندس وهذه السرعة تحتاج لجدار قائم وليس لطريق مستو، ليحميها من الانقلاب بأثر القوة النابذة. ألم يقل الله في كتابه العزيز: ’فلا تعجبْك أموالـُـهم ولا أولادُهم إنما يريد الله ليعذبهم بها في الحياة الدنيا وتزهقَ أنفسُهم وهم كافرون‘[9](55)(85). هناك بعثة أمريكية زارت النصيريين في عزلتهم عام 1875، كتب رئيسها (و.م. تومسون) كتابا بعنوان (الكتاب والأرض) كتب فيه عنهم أنهم شكلوا له إرباكا وحيرة (puzzle). فقط إيتامار رابينوفتش مندوب إسرائيل في الأمم المتحدة، ورئيس جامعة تل أبيب، تعاطف معهم وطلب لهم دولة مستقلة من فرنسا أثناء الانتداب.
    الجمعة 30 أيار 2014 1:20 م

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق