الأربعاء، 28 مايو 2014

اليمين المتطرّف الأوروبي: «أممية الكره» رأي القدس MAY 27, 2014

اليمين المتطرّف الأوروبي: «أممية الكره»

رأي القدس
الصعود العام للأحزاب اليمينية المتطرفة في الانتخابات البرلمانية الأوروبية يدلّ على وجود «وحدة حال» أوروبية ومزاج متشابه بين الناخبين فيها، لكن المثير للسخرية أن ما جمع الأحزاب الأوروبية تلك هو كره هذه الوحدة الأوروبية نفسها. صار حزب «يوكيب» البريطاني (24 مقعداً) و»الجبهة الوطنية» الفرنسية (25 مقعداً) وأمثالهما في الدنمارك والنمسا واليونان، قادرين على تأسيس «أممية» أوروبية جديدة يجمعها كره اجتماعهم معاً تحت راية «اليورو» المظفرة، وكذلك كرههم لبعضهم البعض. لكنّ «أممية الكره» هذه تضمّ أيضاً وبالتسلسل، بغض المهاجرين من أوروبا الشرقية، مثل بلغاريا ورومانيا وبولندا، ويتصدّر العرب والمسلمون رأس قائمة الكره بجدارة، وخصوصاً في بلد المساواة والحرية والعدالة: فرنسا. ذهبت إذن أيام أحزاب أوروبا اليسارية التي قادت العالم وهي تتغنى بنشيد الكومونة الفرنسية (المارسيليز) «هبوا ضحايا الاضطهاد» حيث «غد الأممية يوحد البشر» والذي أضحى نشيد مئات الأحزاب الشيوعية في العالم (وكان النشيد الوطني السوفييتي بين أعوام 1917 و1944) وصارت البروليتاريات الأوروبية المتضامنة تحت شعار «يا عمّال العالم اتحدوا» تصوّت لليمين المتطرّف كاره الغرباء، وخصوصاً منهم العمّال! والحقيقة تقال أن الظاهرة ليست أوروبية محضة بل هي حصيلة اعتمال عناصر التغيّر العميقة في العالم الذي تأسس بعد الحرب العالمية الثانية. هذا التغير بدأ عملياً مع تفكّك الإتحاد السوفييتي وانهيار جدار برلين واتخاذ الجمهوريات التي كانت خاضعة للاتحاد السوفييتي لخطّ الالتحاق بأوروبا. شكّلت روسيا، قائدة الاتحاد السوفييتي، وأمريكا، قائدة العالم الغربي، عملياً، نوعاً من التوازن الزرادشتي بين الخير والشرّ (بحسب موقع الناظر)، وحين هوت روسيا المتحوّلة امبريالية في افغانستان، فتحت الباب لاختلال العالم، سلميّاً، مع انضمام بلدان اوروبية الى اوروبا الغربية سياسيا واقتصاديا وعسكريا، او عسكرياً مع أحداث البوسنة وكوسوفو. بعد الاختلال العالمي الذي قادته أوروبا الشرقية كان على العرب انتظار ما يقرب من عشرين عاماً لتصلهم موجة التغييرات، ولكنهم كانوا أثناءها قد اكتووا بآثار عودة «العرب الأفغان»، وكانت تلك «مكافأة نهاية الخدمة» من أمريكا للعرب الذين موّلوا عملية اسقاط الاتحاد السوفييتي؛ ثم اكتوى العرب بمفاعيل احتلال العراق عام 2003 وكان الاختلال الإقليمي الكبير لديهم هو تسليمه لإيران، وإذا أضيف كل ذلك الى وجود «اسرائيل» استحال الفتق صدعاً استراتيجياً هائلاً لن يستطيع العرب ولا العالم الخروج منه دون كلفة باهظة. رفع الربيع العربي آمال العرب بالخروج من المأزق الوجودي الاستراتيجي، وبعد تأييد عالمي خجول لهذه الآمال في مصروتونس وليبيا واليمن، فتحت الإنعزالية الأمريكية الباب على مصراعيه لذئاب التطرّف العالمية الجائعة: روسيا القومية المجروحة الكرامة والمعتدّة بثروتها المتزايدة وأراضيها الشاسعة وديناميكية قواتها العسكرية الواقفة بالمرصاد في سوريا ثم اوكرانيا، والعملاق الصيني، حليف روسيا، الذي يريد أن يحصّن عسكرياً ما زرعه اقتصادياً، وإيران التي استفاقت فجأة على إمبراطورية تحاذي البحر المتوسط، واحتمت بظلال العملاقين، اللذين يجمعهما بها تأييد الدكتاتوريات في العالم، ومحاربة «الإرهاب» – السنّي منه تحديداً -. في خلفيّة كل ذلك يتجوّل شبح الإسلام السلفيّ المسلح على طريقة «القاعدة» والذي عاش مخاض أحداث افغانستان والعراق وفلسطين والجزائر وسوريا، وغدا موضوعا لتدمير الآخرين والذات، وللتلاعب السياسي المتعدد، بحيث غدا قوة تدميرية هائلة تصيب صورة المسلمين في الصميم وتصنع الخراب العام، ولا يواجهها العالم كله إلا بخراب عميم مماثل أساسه القمع والبطش اللذان يعيدان توليد المأساة لا حلّها. يغوص العالم في الاستقطابات، وتنتهز أحزاب اليمين الأوروبي هذه الفرصة لتنغمس أيضا في حمأة التطرّف المتصاعد في العالم، تساندها موجات الكراهية والتنميطات في وسائل إعلامها الجبارة، مما يعمم أيديولوجيا تحميل الغرباء مسؤولية كل ترد اقتصادي او سياسي او اجتماعيّ ويبرر النكوص الى حالة من المرضيّة العنصرية الموجّهة ضد الجميع. وفي بلاد العرب، يختصر الصراع المعقّد الجاري بين الثورات العربية والثورات المضادّة، خلاصة كل ذلك، وبالتالي تتنجدل المعركة ضد التحامل على العروبة والاسلام، بالضرورة، مع المعركة ضد الاستبداد.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق