الأحد، 1 يونيو 2014

ليست خاتمة الأحزان! صبحي حديدي MAY 31, 2014، القدس العربي

ليست خاتمة الأحزان!

صبحي حديدي
صعود أحزاب اليمين المتطرف، في الانتخابات البرلمانية الأوروبية الأخيرة، ليس خاتمة أحزان الاتحاد الأوروبي؛ وذلك رغم أنّ بعض معدّلات ذلك الصعود تبدو، كما في الحالة الفرنسية، أو تلك الدانمركية، بمثابة نقطة انعطاف حاسمة، ودراماتيكية، لا سابقة لها منذ اتفاقية باريس، 1951، التي أطلقت أوّل اتحاد أوروبي للفحم والصلب.
ولعلّ مصدر الأحزان الأكبر، في المقابل، هو ذلك الانفصال التدريجي البطيء، ولكن المنهجي المضطرد، الذي أخذ يطبع علاقة المواطن الأوروبي بمؤسسات الاتحاد المختلفة، وبأجهزته البيروقراطية، ودستوره، ثمّ بالفكرة ذاتها من حيث الجوهر. والأرجح أنّ الظاهرة ابتدأت في عام 1999، حين اتخذت قمّة بروكسيل لزعماء الاتحاد الأوروبي ما عُرف آنذاك بـ «القرار التاريخي»، الذي يطلق اليورو عملة موحّدة لأكثر من 300 مليون مواطن أوروبي، في 21 دولة؛ طُلب منها أن تتنازل عن مبدأ أساسي في السيادة هو العملة الوطنية، وما يقترن بالأمر من تنازل عن استقلالية التخطيط والتشريع في ميادين مالية ومصرفية بالغة الأهمية.
والحال أنّ ذلك القرار استحق صفة الحدث التاريخي بالفعل، ليس لأنه كان فريداً ونادراً ولا يتكرّر مراراً في حياة الأمم، فحسب؛ بل لأنه، كذلك، وضع «القارّة العجوز» في معمعة العولمة، أولاً؛ كما زجّ بها، ثانياً، في شروط التنافس الشريف، أو التراضي المساوم، أو التصارع الشرس (غير الشريف عموماً!) مع كتل أخرى في عالم العولمة: مع الولايات المتحدة، واليابان، والصين، وما تبقّى من «النمور الآسيوية» الجريحة. أقلّ الأوروبيين تشاؤماً بات يردّد: جميل أن يستخدم المرء عملة واحدة، أينما حلّ وارتحل في اثنتي عشرة دولة أوروبية؛ وأمّا أكثرهم تفاؤلاً (كما كانت حال رئيس الاتحاد الأوروبي آنذاك، رومانو برودي، مثلاً) فإنه قال: سوف نصبح أصحاب العملة الأعظم في العالم، الأقوى من الدولار والينّ والباوند.
الأيام تكشفت عن انكسار الحلم على أرض الواقع، لأنّ مؤشرات إطلاق اليورو في أسواق البورصة، ومنذ عام 1998، قبل اعتماده عملة موحّدة، لا تدلّ على أنّه انتصر في المعركة مع الدولار الأمريكي. المنطق الاقتصادي الصارم برهن على العكس: أنّ الدولار، عملة المركز الرأسمالي الأوّل، ربح الرهان ضدّ المراكز الرأسمالية الأخرى؛ كلّ الرهان أو معظمه، حتى إشعار آخر لا يبدو قريباً البتة. ولا يخفى على أحد أنّ إطلاق اليورو تزامن مع هيمنة أمريكية شاملة، أو تكاد، على مقدّرات الكون: بالمعنى السياسي المحض، ثمّ بمعنى السياسة بوصفها اقتصاداً مكثفاً أيضاً. صحيح أنّ جميع الدول الأوروبية تتحالف، بهذا القدر أو ذاك، مع واشنطن في شتى حروبها؛ إلا أنّ طبائع حروب التبادل تظلّ طاحنة أيضاً، وليس من عادة الولايات المتحدة أن تكتفي بالغنائم السياسية من وراء الحرب، وتترك المغانم الاقتصادية للحلفاء من أهل اليورو!
وحين يكون سحب اليورو من التداول هو الشعار الأبرز في حملات «الجبهة الوطنية»، أبرز أحزاب اليمين المتطرف في فرنسا، وفي أوروبا، فلأنّ هذه الغاية صارت قرينة الغلاء والبطالة والكساد وكوابيس العيش اليومية المختلفة. لا غرابة، والحال هذه، أن يكون حسّ السخط الشعبي العريض، أو المزاج الشعبوي الناقم تحديداً، هو محرّك الصعود الدراماتيكي الأخير لهذا الحزب، وأضرابه؛ وليس، البتة، عقائده السياسية أو الفكرية العنصرية وحدها، أياً كانت قبائحها.
Email this page



----------------------------

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق