الأحد، 6 مايو 2012

عن رحيل إيف أرنولد في صورها تألقت مارلين مونرو وترنحت كنجمة جوزف الحاج


AlmustaqbalPDFA4 PDF  |  FULL PDF
المستقبل - الاحد 6 أيار 2012 - العدد 4333 - نوافذ - صفحة 15

عن رحيل إيف أرنولد
في صورها تألقت مارلين مونرو وترنحت كنجمة


جوزف الحاج
صور مارلين مونرو التي لا تغيب تعود اليوم على ملصق مهرجان كان السينمائي الخامس والستين. صوَّرها الكثيرون لكن إمرأة واحدة من بين كل هؤلاء المصورين مُنحت لقب "مصورة مارلين"، إنها الأميركية إيف أرنولد "Eve Arnold" (1912-2012).
من كبار مصوري القرن العشرين، جعلت من الممثلة الشقراء أيقونة ظلت تحتفظ بوهجها حتى بعد خمسين عاماً على رحيلها. إيف أرنولد، "مصوِّرة مارلين مونرو" رحلت عن عمر ناهز المئة. تحقيقاتها المصوّرة هي التي خطّت أسطورة المرأة التي خلبت عقول الرجال، وجذبت القلوب لكنها لم تعرف دوام الحب.
"إذا نجحتِ مع مارلين ديتريش، تخيلي ما تستطيعين تحقيقه معي!" تلك كانت ملاحظة مارلين إلى إيف أرنولد في لقائهما الأول. كانت مارلين الباحثة دوماً عن صور مُرضية لها، قد تعرّفت من خلال مجلة "إسكواير" على عمل أرنولد وتمنت التعرف عليها. علاقة متينة سوف تنعقد وتتطور عبر السنوات، لتتظهر أجمل صور النجمات.
"موهبة أرنولد وشخصيتها تنعكسان في عملها المصوَّر عبر إحساسها بالتقرب من الأشخاص الذين تصوّرهم وإقامة علاقات صداقة معهم، غير مبالية بالفروقات الإجتماعية أو بالشهرة ومن دون التفريط بالكرامة الإنسانية،" كتب المصوِّر إليوت إرويت في كتاب "ماغنوم، ماغنوم". تلك كانت طبيعة علاقات أرنولد مع أشهر نجمات هوليوود.
عاشت أرنولد خمسين عاماً بعد رحيل نجمتها التي داومت على تصويرها لأكثر من عشر سنوات. هي من أشهر المصورات الصحافيات في العالم، حازت على العديد من التقديرات والجوائز. أول إمرأة تدخل إلى وكالة "ماغنوم" في 1951. عرفت، كمصورة تحقيقات صحافية، كيفية إلتقاط شخصية وجاذبية الممثلة المغمورة آنذاك، عندما إلتقيا للمرة الأولى. أرنولد كانت هي أيضاً مبتدئة في المهنة. روح الشباب خلق علاقة متينة رسختها التفاهمات النسائية والإعجاب المتبادل بينهما. أعجبت مارلين بعمل أرنولد فتأكدت أنها ستبدو جميلة دائماً في صورها. وإكتشفت إيف أن "مارلين المدللة تخفي وراء "الإثارة الغبية" إمرأة ذكية، لا تثق بنفسها كفاية. معقدة لأنها لم تكن تريد أن تكون رمزاً للإثارة فقط. رغم ذلك كانت مصممة بصبر على بناء صورة جذابة ومحببة لها. كانت مارلين رقيقة سرعان ما تتحوّل أمام المصوِّر إلى إمرأة مثيرة ومحيِّرة. كان من المستحيل أن تتواجد كاميرا فوتوغرافية من دون علمها. كانت مارلين تنتصب في الحال، تستقيم، تتلوى، تبتسم... فجأة تصبح مستعدة. كان كل مصور يعتقد أنها تؤدي دوراً لشخصية مارلين يلائمه. إنغه مورات "Inge Morath" (1923- 2002)، مصوِّرة أخرى من "ماغنوم"، تضيف: "كانت أرنولد المروِّضة والمصوِّرة".
وقفت مارلين أمام الهواة بنفس الصبر الذي أبدته أمام المحترفين. كانت فكرتها واضحة عن شهرتها: "أحرص أن أقول للناس أنني أصبحت نجمة بفضلهم".
جلسة التصوير الأولى التي جمعتهما تعود إلى العام 1952، في مستنقع تحيط به أعشاب باسقة، حيث كان على مارلين إرتداء ثوب سباحة يشبه جلد نمر والتسلل إلى مجال العدسة مثلما يفعل هذا الحيوان عندما يتربص بفريسته. بعد دقائق من بدء التصوير، لاحظت أرنولد أن المكان شديد الرطوبة وموحل. لم يمنع هذا الوضع مارلين من متابعة العمل. في الوقت الذي كانت فيه إيف أرنولد شديدة القلق على معدات التصوير، واصلت مارلين اللعب وسط قصب الخيزران المحيط بالمكان، ثم استلقت وسط المستنقع كأن شيئاً لم يكن. "لكنني في النهاية، أمرت بوقف التصوير لضعف الإضاءة الطبيعية مع حلول الغروب، بينما كانت مارلين تضحك عالياً وجسمها مغطى بالوحل."
بلغت عدد جلسات التصوير ستاً على مدى عشر سنوات، بدت فيها مارلين شديدة الصبر والجاذبية، متبدَّلة من وقت إلى آخر. الجلسة الأقصر إستمرّت ساعتين، والأطول دامت شهرين. في 1956، دعت مارلين إيف أرنولد إلى المؤتمر الصحافي الذي عقدته بمشاركة الممثل البريطاني لورانس أوليفييه للإعلان عن بدء تصوير فيلم "الأمير والراقصة" الذي أخرجه أوليفييه نفسه. كانت مارلين ترتدي تحت معطفها ثوباً مخملياً، بينما كان أوليفييه يجيب عن أسئلة الصحافيين والكل ينصت إليه باهتمام. نزعت مارلين معطفها فجأة ما تسبب بقطع حمالة فستانها. تتذكّر أرنولد هذه الحادثة: "جنّ الجميع. ضحكت مارلين وشكرت الحضور. لكنها غضبت بشدة عندما سُئلت فيما بعد إذا ما كانت تعمدت ذلك. أنا متأكدة بأن تلك الحادثة كانت محضّرة مسبقاً!"
بعد أربع سنوات حصلت "ماغنوم" على الحق الحصري لتغطية تصوير فيلم "المختلون"، مع مارلين مونرو، كلارك غايبل، مونتغومري كليفت، إيلي والاك، والذي كان يتم تصويره في صحراء نيفادا ويخرجه جون هيوستون. كان على مصوري "ماغنوم" التردد إلى المكان مرة كل أسبوعين لتجنب إزعاج الممثلين والفنيين. الفريق الأول ضم إنغه مورات وهنري كارتييه- بريسون. كل شيء تم بهدوء، إلا أن التوتر بدأ يتصاعد. ساءت الظروف المناخية ولم تعد مارلين مرتاحة، أرهقت وأحبطت، بالتزامن مع تردي علاقتها مع زوجها الكاتب أرثر ميللر. مرضت ونقلت إلى المستشفى. في هذا الوقت حلّ دور فريق المصورين الثاني من "ماغنوم" الذي ضم إرنست هاس وإيف أرنولد لتغطية فترة التصوير المتبقية والتي تستمر شهرين، بسبب التأخر في التنفيذ. "كنت أعمل وحيدة من دون مساعد معي، خشية التسبب بإزعاج مارلين، تقول أرنولد. كوني إمرأة ساعدني على فهم مزاجها وردود أفعالها."
في أثناء هذه المرحلة النهائية الطويلة، إنتقلت إيف أرنولد مع فريق العمل إلى إستوديوهات لوس أنجلوس حيث حققت بورتريهات لمارلين تعتبر اليوم الأكثر روعة وأهمية: "حضرت النجمة إلى الأستوديو برفقة مجموعة من المزينين ومصممي الأزياء وعاملي الماكياج. رأيتُ أن من الأنسب إقامة عازل موقت ومتحرّك من الورق المقوّى يحجبنا عن باقي الأستوديو. لكن فريق العمل أحدث العديد من الثقوب للتنصت علينا. إكتشفت مارلين ذلك لكنها لم تبد أي إنزعاج، وتابعتُ أنا التصوير من دون علمي. إنصاعت مارلين لعدستي ولجمهور المتنصتين المجهولين كأن شيئاً لم يكن، متظاهرة بأن لا أحد هناك سواي"، تتذكّر إيف.
"فيما بعد، في منزلها في مانهاتن، عملنا معاً مدة أسبوع لإختيار الصور. كانت تمسك قلماً أحمر وعدسة مكبرة. شاهدَت على عجل كل الصور التي يظهر فيها أرثر ميللر ورمتها جانباً، بينما كانت تتوقف ملياً عند اللقطات التي تجمعها مع كلارك غايبل الذي كان قد رحل قبل أيام. بعدما فرغت من مشاهدة الصور، روت لي أنها عندما كانت طفلة صغيرة، حلمت يوماً بأن كلارك غايبل زارها في الميتم الذي كانت تقيم فيه وأهداها دفتراً وأقلام تلوين. وأسرّت لي بأنها كانت تشعر بالإضطراب عندما كانت تلتقي به في أثناء التصوير."
كانت أرنولد قد إنتقلت للسكن في لندن عندما أخبرتها مارلين أنها ستغني في التاسع والعشرين من أيار 1962 إحتفالاً بولادة الرئيس كينيدي. لم تحضر أرنولد الحفل، ندمت على غيابها. إنتحرت مارلين في الخامس من آب.
إحتفظت أرنولد على مدى 25 عاماً بأكثر من ثلاثة أرباع أرشيفها الذي صورته عن مارلين. في 1987، قررت إعداد كتاب تكريمي لهذه النجمة. إنتظرت أرنولد كل هذه المدة، باعترافها، كي لا تتهم بإستغلالها نجومية الممثلة والظروف المريبة التي أحاطت بموتها: "يمكنني القول أنني إستخدمت صورها من دون سوقية أو سؤ نيّة. لقد إستخدمنا كلنا صورها، كما إستخدمتني هي، مع مئات غيري، لتصل إلى حيث كانت تريد. خصوصيتي التي جعلت علاقتنا فريدة زادت من ثقتها بي. طلبت منّي مرّة إذا كنت أتذكّر عنوان مقالة عنها. كان عنوانها "تكريم" فقالت لي: " هل ستقومين بتكريمي في يوم من الأيام؟"
صور مارلين، التي وقعها مصورون مشهورون، لا تحصى: ميلتون غرين هو الأقرب إليها من بين المصورين الذكور، الوحيد الذي أظهرها كإمرأة حقيقية. مارلين تحاول الإمساك بفستانها الأبيض المتطاير بكاميرا إليوت إرويت الذي قال: "من المستحيل تصوير لقطة غير ناجحة لها." بنظرتها الحزينة قبل أسبوعين من رحيلها في لقطة للفرنسي - الإيطالي ويلي ريزو: "تبقى أجمل صورها أدنى من الواقع والحقيقة. إنها ساحرة!" قال. بيرت شتيرن، مصور ملصق "لوليتا" لكوبريك، كان آخر من صوَّرها: "لم أكن بحاجة لإعطائها أي أفكار. كانت تبدع حركاتها بنفسها". خلّدها آندي وارهول في سلسلة صورة متكررة بطريقة الـ"سيريغرافي". مفهومه: المرأة التي إرتقت إلى مصاف الأيقونة وتحولت إلى منتج إستهلاكي للمجتمع الأميركي. تبقى مارلين، الأسطورة في حياتها والأيقونة بعد رحيلها، أسيرة الصور الفوتوغرافية: في صور أرنولد ظهرت مراراً وهي تقرأ كتاب جايمس جويس "أوليس". أجمل الصور هي من أرنولد صديقتها الحميمة، التي، وحدها، "صنعت أسطورة هذه المعبودة " قال جيمي فوكس، مدير سابق لـ"ماغنوم".
في صور إيف أرنولد تألقت مارلين وترنحت كنجمة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق